سورة النساء - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{ويستفتونك} يطلبون منك الفتوى {في النساء} في توريثهنَّ: كانت العرب لا تورث النِّساء والصِّبيان شيئاً من الميراث {قل الله يفتيكم فيهنَّ وما يتلى عليكم} أَي: القرآن يُفتيكم أيضاً. يعني: آية المواريث في أوَّل هذه السورة {في} ميراث {يتامى النساء}؛ لأنَّها نزلت في قصَّة أم كجَّة، وكانت لها بنات {اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهنَّ} أَيْ: فُرض لهن من الميراث {وترغبون} عن {أن تنكحوهنَّ} لدمامتهنَّ. قالت عائشة رضي الله عنها: نزلت في اليتيمة يرغب وليها عن نكاحها، ولا يُنكحها فيعضلها طمعاً في ميراثها، فنُهي عن ذلك {والمستضعفين من الولدان} أَيْ: يُفتيكم في الصِّغار من الغلمان والجواري أن تعطوهنَّ حقهنَّ {وأن تقوموا} أَيْ: وفي أن تقوموا {لليتامى بالقسط} أَي: بالعدل في مهورهنَّ ومواريثهنَّ {وما تفعلوا من خير} من حسنٍ فيما أمرتكم به {فإنَّ الله كان به عليماً} يجازيكم عليه.
{وإن امرأة خافت} علمت {من بعلها} زوجها {نشوزاً} ترفُّعاً عليها لبغضها، وهو أن يترك مجامعتها {أو إعراضاً} بوجهه عنها {فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحاً} في القسمة والنَّفقة، وهي أن ترضى هي بدون حقِّها، أو تترك من مهرها شيئاً ليسوِّي الزَّوج بينها وبين ضرَّتها في القسمة، وهذا إذا رضيت بذلك لكراهة فراق زوجها، ولا تجبر على هذا لأنَّها إنْ لم ترض بدون حقِّها كان الواجب على الزَّوج أن يوفيها حقَّها من النَّفقة والمبيت {والصلحُ خيرٌ} من النُّشوز والإِعراض. أَيْ: إنْ يتصالحا على شيءٍ خيرٌ من أن يُقيما على النُّشوز والكراهة بينهما {وأحضرت الأنفس الشح} أَيْ: شحَّت المرأة بنصيبها من زوجها، وشحَّ الرَّجل على المرأة بنفسه إذا كان غيرها أحبَّ إليه منها {وإن تحسنوا} العشرة والصُّحبة {وتتقوا} الجور والميل {فإنَّ الله كان بما تعملون خبيراً} لا يضيع عنده شيء.
{ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} لن تقدروا على التَّسوية بينهنَّ في المحبَّة ولو اجتهدتم {فلا تميلوا كلَّ الميل} إلى التي تحبُّون في النَّفقة والقسمة {فتذروها كالمعلقة} فتدعوا الأخرى كأنَّها معلَّقةٌ لا أيِّماً ولا ذات بعل {وإن تصلحوا} بالعدل في القسم {وتتقوا} الجور {فإنَّ الله كان غفوراً رحيماً} لما ملت إلى التي تحبُّها بقلبك، ولمَّا ذكر جواز الصُّلح بينهما إنْ أحبَّا أن يجتمعا ذكر بعده الافتراق، فقال: {وإن يتفرقا} أَيْ: إنْ أبت المرأة الكبيرة الصُّلْح، وأبت إلاَّ التَّسوية بينها وبين الشَّابَّة فتفرَّقا بالطَّلاق، فقد وعد الله لهما أن يُغني كلَّ واحدٍ منهما عن صاحبه بعد الطَّلاق من فضله الواسع بقوله: {يغن الله كُلاً من سعته وكان الله واسعاً} لجميع خلقه في الرِّزق والفضل {حكيماً} فيما حكم ووعظ.
{إنْ يشأ يذهبكم أيها الناس} يعني: المشركين والمنافقين {ويأت بآخرين} أمثل وأطوع لله منكم.
{مَنْ كان يريد ثواب الدنيا} أَيْ: متاعها {فعند الله ثواب الدنيا والآخرة} أَيْ: خير الدُّنيا والآخرة عنده، فليطلب ذلك منه، وهذا تعريضٌ بالكفَّار الذين كانوا لا يؤمنون بالبعث، وكانوا يقولون: ربنا آتنا في الدنيا، وما لهم في الآخرة من خَلاق.


{يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط} قائمين بالعدل {شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} أَي: اشهدوا لله بالحقِّ، وإن كان الحقُّ على نفس الشَّاهد، أو على والديه، أو أقربيه {إن يكن} المشهود عليه {غنياً أو فقيراً} فلا تحابوا غنياً لغناه، ولا تحيفوا على الفقير لفقره {فالله أولى بهما} أَيْ: أعلمُ بهما منكم؛ لأنَّه يتولَّى علم أحوالهما {فلا تتبعوا الهوى} في الشَّهادة، واتقوا {إن تعدلوا} أَيْ: تميلوا وتجوروا {وإنْ تلووا} أَيْ: تدّافعوا الشَّهادة {أو تعرضوا} تجحدوها وتكتموها {فإن الله كان بما تعملون خبيراً} فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.
{يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله} أَي: اثبتوا على الإِيمان {والكتاب الذي نزَّل على رسوله} القرآن {والكتاب الذي أنزل من قبل} أَيْ: كلِّ كتاب أنزل على نبيٍّ قبل القرآن.
{إنَّ الذين آمنوا} أَي: اليهود آمنوا بالتَّوراة {ثمَّ كفروا} بمخالفتها {ثم آمنوا} بالإِنجيل {ثمَّ كفروا} بمخالفته {ثم ازدادوا كفراً} بمحمدٍ {لم يكن الله ليغفر لهم} ما أقاموا على ما هم عليه {ولا ليهديهم سبيلاً} سبيل هدى، ثمَّ ألحق المنافقين بهم؛ لأنَّهم كانوا يتولَّونهم.


{بشر المنافقين بأنَّ لهم عذاباً أليماً}.
{الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} هذه الآية من صفة المنافقين، وكانوا يُوالون اليهود مخالفةً للمسلمين يتوهَّمون أنَّ لهم القوَّة والمنعة، وهو معنى قوله: {أيبتغون عندهم العزَّة} أَي: القوَّة بالظهور على محمدٍ صلى الله عليه وسلم {فإنَّ العزة} أَي: الغلبة والقوَّة {لله جميعاً}.
{وقد نزل عليكم} أيها المؤمنون {في الكتاب} في القرآن {أنْ إذا سمعتم} الكفر بآيات الله والاستهزاء بها {فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديثٍ} غير الكفر والاستهزاء. يعني: قوله في سورة الأنعام {وإذا رأيتَ الذين يخوضون في آياتنا...} الآية. هذه كانت مما نزل عليهم في الكتاب، وقوله: {إنكم إذاً مثلهم} يعني: إنْ قعدتم معهم راضين بما يأتون من الكفر بالقرآن والاستهزاء به، وذلك أنَّ المنافقين كانوا يجلسون إلى أحبار اليهود، فيسخرون من القرآن، فنهى الله سبحانه المسلمين عن مجالستهم {إنَّ الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً} يريد: أنَّهم كما اجتمعوا على الاستهزاء بالآيات يجتمعون في جهنَّم على العذاب.
{الذين يتربصون بكم} يعني: المنافقين ينتظرون بكم الدَّوائر {فإن كان لكم فتحٌ من الله} ظهورٌ على اليهود {قالوا ألم نكن معكم} فأعطونا من الغنيمة {وإن كان للكافرين نصيبٌ} من الظَّفر على المسلمين {قالوا} لهم: {ألم نستحوذ} نغلب {عليكم} نمنعكم عن الدُّخول في جملة المؤمنين {ونمنعكم من المؤمنين} بتخذيلهم عنكم، ومراسلتنا إيَّاكم بأخبارهم {فالله يحكم بينكم} يعني: بين المؤمنين والمنافقين {يوم القيامة} يعني: أنَّه أخَّر عقابهم إلى ذلك اليوم، ورفع عنهم السَّيف في الدُّنيا، {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً} أَيْ: حجَّةً يوم القيامة؛ لأنَّه يفردهم بالنَّعيم، وما لا يشاركونهم فيه من الكرامات بخلاف الدُّنيا.
{إنَّ المنافقين يخادعون الله} أَيْ: يعملون عمل المخادع بما يظهرونه، ويبطنون خلافه. {وهو خادعهم} مجازيهم جزاءَ خداعهم، وذلك أنَّهم يُعطون نوراً كما يُعطى المؤمنون، فإذا مضوا قليلاً أطفئ نورهم، وبقوا في الظُّلمة {وإذا قاموا إلى الصلاة} مع النَّاس {قاموا كسالى} متثاقلين {يراؤون الناس} ليرى ذلك النَّاس، لا لاتِّباع أمر الله. يعني: ليراهم النَّاس مُصلِّين لا يريدون وجه الله {ولا يذكرون الله إلاَّ قليلاً} لأنَّهم يعملونه رياءً وسمعةً، ولو أرادوا به وجه الله لكان كثيراً.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11